رجعت الشتوية .... وعادت معها صور ملأت مخيلتي عندما كنت طفله .. كيف كنا نلتف حول المدفأة ورغيف الخبز وبعضا من الزيت والزعتر وحبات زيتون .. وقصصا كان يرويها علينا والدنا عن ايام طفولته .. لم يكن هناك محطات كثيره نتابعها لتمضية اوقاتنا .. ولكننا كنا نستكفي بتلك القصص المبهجه والمضحكه .. وكيف كانوا يقضون اوقاتهم بالشتاء .. وقتها كنا نقول نشكر الله اننا نملك مدفأة وليس كوما من الحطب .. ولكنها كانت بالنسبة لهم ايام رائعه لا تعوض ..
رجعت الشتوية .... وعادت معها تلك البدايات لاعوام الدراسية .. وكييف كنا نتأهب للذهاب للمدرسه .. وكانت تغمرنا السعاده كي نمشي تحت زغات المطر .. وكم كانت فرحتنا اكبر عندما تمتلىء ملابسنا بماء الامطار .. لم نكن ننتظر اخبار واحوال الطقس على التلفاز .. ولكننا كنا نتسكفي ما يخبرنا به أجدادنا بمجرد القاء نظره على السماء والغيوم .. وتفحص قدوم الرياح .. لم يتعلموا ولم يعرفون القرائه ولا الكتابة.. ولكن كانت لهم تلك النظره الفاحصة التي تعطيك الوصف الكامل عن حالة الطقس .. لم يتعلموها بالمدراس ولا بالجامعات ولكنهم تعلموها من خبرتهم مع الايام ومن اجدادهم السابقين ..
رجعت الشتوية .... وعادت معها ذكرياتي .. كيف كنت التف بذالك الغطاء الثقيل وانتقي زاويه قريبه من المدفأة وافتح صفحات احدى الرويات عن جوزفين ونساء صغيرات .... كبرياء وهوى .... وجين اير ...... وبين مدينتين ... وآنا كارنينا ... رجعت الشتوية ..... ومذكرات فتاة رصينة .. يالله ما اروعها واجملها من ايام
رجعت الشتوية ........ واكتوبر كان يبتسم ضاحكا... في مطبخنا الصغير ... الذي كان يطل على حديقة منزلنا وكيف كنت اقف عن نافذته واتابع سقوط قطرات المطر على الزجاج .. وسماع ايقاعها كأنها سمفونية تعزف الحان رجعت الشتوية .. ... وصوت ابريق الماء وهو يغلي على المدفأه .. بانتظار قدح الشاي الدافئ لكي نجلس و نتسامر كي ننسى برودة اوقاتنا ......... !