من حكايات زورك نيميسيس .. حكاية زَهرة
" هذه ليست حكاية .. بل هو كلام .. وليس حتى بكلامي ... بل هو كلام قلبي "
بياض تغار منه ثلوج الشتاء .. درجة مهيبة من البياض طارحت ملك الألوان الأسود فطرحته أرضا ... حتى إذا رآهما اللؤلؤ في صدفته يتطارحان انزوى خجلا من دمامة بياضه وتواضع لألأته أمام هذا البهاء.... يبدو لك لما تراه و كأنك لم تر لونا أبيضا في حياتك .. أبيض يبدو أي أبيض آخر أمامه و كأنه صدأ .. أبيض خلقت منه جميع الألوان .. أي أن الجمال بأنواعه قد خرج منه و صدر عنه و يعود إليه .
تنسدل عليه سلاسل من حرير أسود زادها البياض سوادا .. تبدو للناظرين كليل ألقى بنفسه في تكاسل على صفحة من الجليد .. إذا ما أتتها نسائم عابثات عبثت معها كيفما اتفق .. ووسط كل هذا ترقد شفتان .. منحوتتان من ياقوتة حمراء .. وزُينتا بأقلام دقيقة بارعة رسمت عليهما زخرفا بالغ الحسن .
تغدو السلاسل و تروح في نعومة على عينين واسعتين أيما سعة .. يتكرر فيهما مشهد الليل و الجليد .. في تناغم مقصود من خالقه .. يعلوهما حاجبان لعوبان يرتفعان و ينخفضان في دلال أنثوي ملؤه الحياء .. ثم إن تلك العينين تنظران إليك .. إليك وحدك .. تقرأ فيهما إعجابا لاريب فيه .. فتعود إلى وعيك سريعا و تسأله أن يوقظك لأن الأوهام قد تكالبت عليك .. ثم تفاجئك بابتسامة كشفت عن كتيبة ضاحكة من اللؤلؤ .. حتى كاد أن يُقضى عليك .
وإذا بها قد تنحنحت و تأهبت للحديث .. و تاقت نفسك لما ستجود به نفسها .. حتى إذا أتاها البيان خرجت ألحانها و كأنها تسألك عن شيء ما .. يستحيل أن تجعل الموسيقى تتحدث .. أن تعزف لحنا ليقول كلاما فهذا مستحيل .. اللحن لحن و الحديث حديث .. أما ما سمعته الآن فهو خيال علمي بحت .
تراها فتبهرك ثم تراها فتبهرك .. حتى إذا رأيتها ألف مرة وظننت أنك رأيتها هرع إليك بصرك ناقما من حسرته .. فلما حاولت تذكرها و إياه رأيتها فقلت سبحان من خلقك والله ما رأيتك إلا الآن .. ثم تراها فتبهرك و تراها فتبهرك .. حتى احمرت أذناك من الخجل فنظرت إلى الأرض .
وخرج قلبك منك ثملا من حبها يدور على قلوب الخلائق .. هل رأيتم مثلها ؟ قالوا لا .. وإنا نظنك أفاقا .. فليس في دنيانا بمثل من وصفت .. فدُلنا عليها نراها فقال بل هي لي .. و ليفرح كل واحد منكم بما ملك .. أما هذه فملكي ولا يطلع عليها أحد .
وفتحت ذراعاي حتى ظننت أنهما وسعتا المشرق و المغرب .. وجاءت إلي وقلبها ينبض برفق فضممتها إليَّ حتى تحدث القلب إلى القلب .. والتفَّت الروح بالروح .. وسمعت النفس حسيس النفس .. ولو أن زلزالا أو بركانا اندلع تحتنا ما افترقنا بعد هذه الضمة أبدا .
و إني زرت حكيما في بلاد بعيدة فأفتاني أن الحب هو كل ما وافق هوى النفس .. فالزنجي لو أتته فتاة كالتي رأيتُها لأعرض بوجهه حتى يجد فتاة يتغزل في سوادها وامتلاء شفتيها .. و الصيني لو لم تكن فتاته عيونها مائلة لم ينظر إليها إلا كما تنظر أنت إلى كرسي مطبخكم .. ولكل نفس هوى يختلف تماما عن أي نفس أخرى ... بل أنت كاذب أيها الحكيم .. و إنها غيرتك هي التي صورت لك هذا الحديث .
__________________