إن كثيرين من الرجال عندنا يحبون زوجاتهم بدرجة غير عادية، لكنهم لم يعتادوا (التعبير) عن ذلك الحب، فهم نشأوا في بيوت لم يلقنوا فيها (أبجدية) الحب، وربما كانت تلك البيوت مبنية من لبناته!
ثم إن طبيعة الرجل تختلف عن المرأة في التعبير عن الحب؛ فالرجل يعبر أحياناً بتلبية الحاجات، والاستجابة (الجيدة) للطلبات!.. والرجال – بناء على ثقافتهم وبنائهم النفسي – يتفاوتون في التجاوب مع متطلب الزوجة، في الجانب الوجداني؛ فهناك من يسفهه، وهناك من يحاول صعود سلّمه، باختلاف في الخطوات، وهناك من يكون قد أتقن (لغته)!
والمرأة – ببحثها عن القبول والأمان – تبحث عن المديح والثناء، ويعجبها الرجل (الثرثار)، لأنها تشعر أن (حبل) الحديث، بينه وبينها، دائماً (ممدود)، وهو ما يحسسها أنها (حاضرة) بذهنه!
بل ربما وجد رجل (كريم)، لا ضفاف لكرمه، لكن يغلب عليه الصمت، ولغته في التعبير عن الحب (ضعيفة)، قد تشكو منه زوجته شكوى (مرة)، في وقت يوجد فيه زوج (بخيل)، لكنه يمتلك أسلوباً (مميزاً) في التعبير عن الحب، فتغطي الجودة في التعبير عن الحب على صفة البخل عنده !
إن الرجل، الذي يجمع بين (جهله) بمدى حاجة المرأة للجانب العاطفي، وعدم اعتياده للغة (العاطفية) يحتاج إلى وقت وجوٍّ وأسلوب مناسب، ليسلك الطريق (العاطفي)، ويمضي فيه، ويحقق درجات معقولة، وإن كان ذلك لا يعني أنه (سيبدع) في اللغة العاطفية!
تشير أكثر الزوجات إلى غلبة الصمت على زوجها، وهو قد يكون (طبعاً) لديه.. لكنه أيضاً قد يكون انعكاساً لتعاملها معه؛ فبعض الزوجات قد تكون (حساسة)، تفسر بعض كلام زوجها على أنه نوع من السخرية بها، ومن ثم قد تغضب، فالزوج يلجأ إلى الصمت، هروباً من مثل هذا الاتهام، ومن ثم الغضب، من قبل زوجته.
وقد تكون الزوجة طموحة، ولم تعجبها هموم الزوج أو اهتماماته، وهو ما يدفعها إلى أن تنال من اهتماماته، وتقلل من قيمة هواياته، ما يجعله ينسحب، ويلوذ بالصمت.
و أحب أن أؤكد أن العصبية في الحياة الزوجية تمثل (فيروساً)، يظل يقضم (خلايا) أسس المحبة. وإذا اجتمع مع العصبية (اللوم) فإنهما يمثلان (شقتي) مقص، حين يبدآن بقرض (قماش) العلاقة، ومع استمرارهما يبدأ (التباعد) بين الزوجين.
وإذا كانوا قديماً يقولون: العتاب صابون القلوب، فإننا أحياناً نحوّل العتاب – دون شعور – إلى (لوم) قد يحرق (فيوز) القلوب!
إن مجرد الغضب – مهما بلغت عواصفه – لن يصنع شيئاً سوى أن تغطي رماله (حدائق) الحب، في قلب كلٍّ من الزوجين، يوماً بعد آخر، لتصبح جرداء بعد الاخضرار.. ولكن العقلاء يحملون (قناديل) التفاؤل، ويظلون يفكرون – بإيجابية -، بعد أن يطيلوا التأمل.
ومن الرائع أن ينطلق الإنسان العاقل – حين يسلك طريق التصحيح – من محطة ذاته، فقد يكون في سلوكه – دون أن يشعر – (مطبات) تعوق (تقدّم) الطرف الآخر.
وفي ظني أن تطبيقنا لقول المصطفى – صلى الله عليه وسلم -: "ذاك الذي عليك"(1)، سوف يمنحنا قدراً غير قليل من الرضا.. وحين نجمع إليه كلمة أيوب السختياني – رحمه الله -: (إذا لم يكن ما تريد فأردْ ما يكون) – كملاذٍ أخير – نكون قد جمعنا الرضا من أطرافه.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) جزء من حديث طويل وهو: "بعثني النبي صلى الله عليه وسلم مصدقاً فمررت برجل، فلما جمع لي ماله لم أجد عليه فيه إلا ابنة مخاض، فقلت له أد ابنة مخاض فإنها صدقتك، فقال: ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر، ولكن هذه ناقة فتية عظيمة سمينة فخذها. فقلت له: ما أنا بآخذ ما لم أومر به وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم منك قريب فإن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ما عرضت علي فافعل فإن قبله منك قبلته، وإن رده عليك رددته قال فإني فاعل فخرج معي وخرج بالناقة التي عرض علي حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:" يا نبي الله أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي وايم الله ما قام في مالي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رسوله قط قبله فجمعت له مالي فزعم أن ما علي فيه ابنة مخاض وذلك ما لا لبن فيه ولا ظهر وقد عرضت عليه ناقة فتية عظيمة ليأخذها فأبى علي وها هي ذه قد جئتك بها يا رسول الله خذها. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ذاك الذي عليك فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك قال فها هي ذه يا رسول الله قد جئتك بها فخذها. قال فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبضها ودعا له في ماله بالبركة" رواه أحمد في مسنده، وصححه الشيخ شاكر، ورواه أبو داود وصححه الألباني.