العينان آيتان من آيات الخالق سبحانه، ليتدبر بتكوينها كل مخلوق لما لها من أهمية بالغة لأنه سبحانه أودعها حاسة النظر التي هي أدعى الحواس للتدبر والتأمل وتحمل الكثير من المعاني في لحظها وعلى اختلاف أسرار الجمال بها فقد تغنَّى الشعراء بجمال العيون ونظرات العيون ولغة العيون القادرة على كشف الظاهر كما الباطن والتي كثيرا ما عبرت عن ما عجزت عنه كل لغات البشر
أحيانًا ترى أشخاصًا تحبهم بعد طول غياب، فترى في أعينهم فرحة اللقاء، وكما يقال: «عيناه ترقصان من الفرحة»، وأحيانًا أخرى تقابل أشخاصًا يحاولون مجاملتك بابتسامة صفراء، لكنَّ أعينهم تفضحهم وتبدي ما يخفون؛ فالعين مرآة الروح، كما يقول المثل الأجنبي القديم: بعض الأصدقاء لا يجيدون التعبير عن مشاعرهم شفاهةً، لكن ذوي المشاعر المرهفة يفهمونهم من أعينهم.
ويعتمد عليها كبار الخطباء لما لها من تأثير على من يدنو لخطبهم وذلك لأن تأثيرها على النفس يكون أبلغ وأصدق ، إنَّها لغة الحب والعتاب في وقتٍ واحد وقد جمعنا في هذا التقرير بعضًا من تلك المعاني لنظرات العيون والاختلاف الجمالي وبعض الأسرار في تلك الاختلافات.
ويرى احد الخطباء أن التواصل البصري بين الخطيب والحضور يعد مثالاً واقعيًا لبيان أهمية نظرات العيون المتبادلة مع من تتحدث إليهم ولكن لا يتحقق هذا الهدف إلا بمعرفة المتحدث جيدًا لما سيقوله، حتى لا يصرف جهده الذهني إلى تذكر ترتيب الأفكار والكلمات، وذلك يحتم عليك التحضير الجيد والتدريب الكافي ومن ثم ابْنِ مَمَرًّا بصريًّا متصلاً بينك وبين المستمعين، وتذكَّر أنَّه مهما كبر عدد المستمعين، فإنَّ كل مستمع منهم يريد أن يشعر بأنَّك تكلِّمه هو شخصيًّا.
وتستطيع أن تحقق ذلك من خلال أمور منها ، أثناء حديثك اختر شخصًا معينًا وانظر في عينيه حتى تبني بينك وبينه خط اتصال بصري (من 5 إلى 10 ثوان )، أي ما يوازي جملة واحدة تقريبًا ثم انقل بصرك إلى شخصٍ غيره.
وهذا شيء سهل حدوثه نسبيًّا بالنسبة للأعداد الصغيرة، أمَّا إذا كنت تتحدَّث إلى مئاتٍ أو آلاف، فهذا أمرٌ مستحيل بالطبع، وفي هذه الحالة اختر فردًا أو فردين من كل قطاع، وابنِ جسرًا بصريًّا بينهما، وبالتالي سيشعر كل فرد بأنَّك تكلمه هو مباشرة.
ولاحظ رجع الصدى البصري، فأثناء حديثك يستجيب لك مستمعوك برسائلهم غير اللفظية الخاصة، فيجب أن تكون عيناك نشيطتين حتى تلتقطا هذه الرسائل، وتعرفا ما التصرف الذي سيُبنَى على هذا الأساس.
فإن كان رد فعلهم إيجابيًّا فما عليك إلاَّ أن تستمر فيما أنت عليه، ولتبشر بنجاحك، ولتحاول توطيد صلتك بمن استجابوا لك بصريًّا، بأن تخصهم بابتسامة خاصة ونظرات أعمق.
أمَّا إن كانت انطباعاتهم (ردود أفعالهم) سلبية، فلتنظر ما السبب في ذلك؟ فإن كان السبب منك، فلتحاول أن تغيِّر من نبرات صوتك، أو تضيف بعض المرح والدعابة إلى حديثك، أو بعض القصص والأشعار، ولتراقب الأعين، وأي الموضوعات كان أشدهم جذبًا لانتباههم ، وإن كان في مظهرك شيء يشتت انتباههم، فلتحاول إصلاحه إن أمكن ذلك فإنَّ لغة العيون لغة موحَّدة يفهمها كل الناس مهما كانت أوطانهم وأجناسهم وألسنتهم، فلنحرص على تعلمها.
البعض يعتقد ان لا مجال لمعرفة ما في نفوس من حولك سوى أن تدقق في نظراتهم حتى تكتشف صدق ما يحدثوك به وقد دققت في هذا الجانب كثيرًا حتى أن من حولي لا يكادون يخفون عني شيئًا ومن ذلك علاقتي بأخواتي في المنزل فهن يرين أنني قادر على كشف ما يدور في دواخلهن لذلك يجدنني أقرب لهن ولسماع ما لديهن من مشاكل أو هموم قد يخفينها بينهن ولكن كل واحدة منهن تجد مني اهتماما يجعلها تبحث عني عند أي موقف يمر بها وتختلف تلك النظرات بحسب الحالة النفسية التي يكون عليها صاحبها فهناك النظرات القلقة المضطربة وغيرها المستغيثة المهزومة المستسلمة ، وأخرى حاقدة ثائرة ، وأخرى ساخرة ، وأخرى مصممة ، وأخرى سارحة لا مبالية ، وأخرى مستفهمة وأخرى محبة ، وهكذا تتعدد النظرات المعبرة وقد سمى القرآن بعض النظرات (خائنة الأعين) والإنسان في تعامله مع لغة العيون يتعامل معها كوسيلة تعبير عما في نفسه للآخرين ، وكذا يتعامل معها كوسيلة لفهم ما في نفوس الآخرين .
ولقد قام علماء النفس بالكثير من التجارب للوصول إلى معرفة دلالات حركات العيون عما في النفوس ، ورحم الله ابن القيم الذي قال : إن العيون مغاريف القلوب بها يعرف ما في القلوب وإن لم يتكلم صاحبها وكان مما وصلوا إليه كما ذكر الدكتور محمد التكريتي ان النظر أثناء الكلام إلى جهة الأعلى لليسار: يعني أن الإنسان يعبر عن صور داخلية في الذاكرة ، وإن كان يتكلم وعيناه تزيغان لجهة اليمين للأعلى فهو ينشئ صوراً داخلية ويركبها ولم يسبق له أن رآها .
أما إن كانت عيناه تتجهان لجهة اليسار مباشرة فهو ينشئ كلاماً لم يسبق أن سمعه ، وإن نظر لجهة اليمين للأسفل فهو يتحدث عن إحساس داخلي ومشاعر داخلية وإن نظر لجهة اليسار من الأسفل فهو يستمتع إلى نفسه ويحدثها في داخله كمن يقرأ مع نفسه مثلاً هذا في حالة الإنسان العادي ، أما الإنسان الأعسر فهو عكس ما ذكرنا تماماً. وبناء على هذه المعلومات يمكنك أن تحدد من أي الأنماط يتحدث الإنسان وهو يتحدث معك بل ويُمكنك عند قراءة قصيدة أو قطعة نثرية أن تحدد النمط الذي كان يعيشه صاحبها عند إعداده لها هل هو النمط السمعي أو الصوري من الذاكرة أو مما ينشئه أو من الأحاسيس الداخلية ، وذلك من خلال تأمل كلامه وتصنيفه في أحد الأصناف السابقة .
اما علماء النفس فقد توصلوا إلى أن هناك علاقة كبيرة بين لون العين وسمات الشخصية فالعيون السوداء .. لصاحبها بعض السمات الشخصية مثل العصبية ، سرعة التأثر ، الغيرة الشديدة ، المشاعر الرقيقة ، العاطفة القوية ، الحنان ، غالبا ما يتحكم قلبه في عقله .. العيون الزرقاء ، وتمتاز بالجرأة وحب الذات والغموض ، عمق التفكير وشدة الحساسية وقوة التأثير والمزاج الفني والبرود.
أما العيون الرمادية فتؤثر على شخصيته بالطباع العنيفة والقسوة .. كما يغلب على العيون الخضراء قوة الإرادة والخبث وبرود العاطفة وصلابة الرأي والعند وحب العمل .. أما العيون البنية فسماتها الشخصية الرحمة والعطف والخجل والجاذبية وحب العمل وقوة الحجة .. فيما تمتاز العيون العسلية بالهدوء والتأني والتفكير قبل العاطفة وحب الظهور وضبط العواطف والكتمان.
ويدخل شكل العيون في تحديد بعض السمات أيضًا ومنها العيون الواسعة... العصبية والاندفاع وراء العاطفة ويقابلها العيون الضيقة بالذكاء والحدة والدقة وقوة الملاحظة وتحكيم العقل .. أما العيون المستديرة فتبرز جوانب التفكير والفضول وكثرة الحركة وحب الناس قلة .. بينما العيون الغائرة فتدل على التفحص والتدقيق ، البحث عن التفاصيل وحب الحياة والتفاؤل .. فيما نجد أن العيون الجاحظة تفضل البعد عن التفاصيل وحب الظهور والفصاحة والميل للتشاؤم.