المعرفة وضرورتها في الرؤية القرآنية
* السيد حسن إبراهيميان
لا يجد المتأمل في تعاليم الإسلام كتاباً حثّ على المعرفة كما حثّ عليها القرآن الكريم، ولا ديناً شجع أتباعه على المعرفة والتعلّم كما شجع الإسلام أتباعه على ذلك، ولا يجد مدرسة حددت وبينت موانع المعرفة وشرائطها كما حددها وبينها الإسلام. فإنّنا نجد مادة "علم" قد ذكرت في القرآن ما يربو على (105) مرّة وما يشتق منها (717) مرّة، ومادة "عقل" ما يربو على (9) مرّات ومادة "فقه" ما يربو على (20) مرّة، ومادة "فكر" ما يربو على (18) مرّة.
وإن دل هذا على شيء فإنّما يدل على مدى تشجيع هذا الدين العظيم على التعليم والتعلّم والتفكير والتفكّر. والعجيب أنّ إصرار القرآن الكريم على التفكر والتأمل في الوجود وأسراره قد تمّ في بيئة غلب عليها الجهل والتخلف بكل أشكاله، بل كان المخاطبون أُمّة أمية لا تعرف الكتابة ولا القراءة ولا تملك شيئاً من مقومات الحضارة والمدنية، مما يدل على أنّ القرآن الكريم لا يرى إمكان المعرفة فحسب بل يراها أهم واجب يمارسه إنسان يريد أن يعيش جوهر حقيقته.
ونشير فيما يلي إلى بعض الآيات التي تحت على المعرفة والتعلّم:
1- (فَاعْلَمُوا أنّ الله عَزِيزٌ حكِيمٌ) (البقرة/ 209).
2- (وَاعْلَمُوا أنّ الله بكلِّ شيءٍ علِيمٌ) (البقرة/ 231).
3- (وَاعْلَمُوا أنَّكُم إلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (البقرة/ 203).
4- (اعْلَمُوا أنَّمَا الحياةُ الدُّنيا لَعِبٌ ولَهْوٌ...) (الحديد/ 20).
5- (أفلا تَتَفكَّرُونَ) (الأنعام/ 50).
6- (لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ) (الأعراف/ 176).
7- (أوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) (الروم/ 8).
وقوله تعالى: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة/ 122).
وقوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا...) (الطلاق/ 12).
وقوله تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ) (ص/ 29).
وقوله تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمّد/ 24).
وقوله تعالى: (...لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الإسراء/ 1).
وقوله تعالى: (لَقَدْ رَأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى) (النجم/ 18).
عصارة ما جاء في الآياة السابقة: يظهر من التأمُّل والتدبُّر فيها الحقائق التالية:
1- ترى النظرية القرآنية أنّ المعرفة ممكنة وبإمكان الإنسان أن يصل إلى الواقع كما هو في نفسه، بخلاف ما تبنته بعض المدارس من استحالة المعرفة، ونكتشف هذه المسألة من دعوة القرآن الإنسان إلى التفكر والتأمُّل وحثه الشديد على طلب العلم؛ فإنّ لم تكن المعرفة ممكنة فلا يحث عليها القرآن باعتباره لا يأمر الإنسان بما هو غير مقدور في ذاته.
2- تتمثّل النظرية القرآنية في أنّ قيمة الإنسان في العلم والمعرفة، فكل مَنْ يتحلّى بالمعرفة التي ينطوي عليها الإنسان من أعظم النعم الإلهية في النظرية القرآنية، فكلّما استخدمها ووظفها في ترقية وعيه ومقامه ازدادت قيمته الإنسانية.
3- الطريقة التي تقترحها النظرية القرآنية في دفع ورفع الآفات الإجتماعية والنفسانية هي تقوية البعد العلمي الحقيقي والمعرفي لدى أفراد الإنسانية ومحاربة كل أنواع الجهل وكلُّ ما يعرقل رشد الإنسان.
4- المعرفة الظنية ليس لها إعتبار في النظرية القرآنية: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ...) (الإسراء/ 36)، و(إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) (يونس/ 36)، والمعرفة الحسِّية معرفة سطحية وظاهرية، بل المعرفة الحقيقية هي التي تقوم على أساس التعقل والتدبُّر والتعاطي مع المعارف تعاطياً يقينياً، ولا تقبل نظرية من النظريات إلّا إذا كانت قائمة على أساس البرهان والحجة اليقينية: (... قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة/ 111).
المصدر: كتاب نظرية المعرفة