منذ سن الثالثة عشرة، افتتن المؤلف وعالم المصريات الفرنسي كريستيان جاك بالحضارة الفرعونية بعدما قرأ العديد من المؤلفات عنها، وهو ما دفعه إلي دراسة علم الآثار والتعمق بشكل خاص في علم المصريات الذي حصل فيه علي درجة الدكتوراه.
وبالرغم من تخصصه العلمي اتجه كريستيان جاك اتجاها أدبيا، إذ بدأ منذ عام 1982 كتابة الروايات التي تتخذ من بعض الحقائق في تاريخ مصر القديمة وبعض الوقائع المدونة علي جدران المعابد والبرديات أساسا لها ويمزجها بالخيال في أسلوب أدبي متميز جذب الآلاف من القراء في فرنسا وحول العالم بعد أن تمت ترجمة رواياته، التي بلغ عددها أكثر من 50 رواية، إلي عشرات اللغات.
وبمناسبة إصدار الجزء الأول من ثلاثية «صحوة مصر»، أحدث رواياته، والتي تتناول تاريخ الأسرات الفرعونية منذ نشأته مع الأسرة الأولي، أجرت صحيفة لوبروجريه الفرنسية حوارا مع الكاتب الفرنسي الأكثر مبيعا في فرنسا والعالم.
< لماذا مازالت الحضارة المصرية مبهرة حتي اليوم؟
- هذا سؤال واسع يستحق كتاب كامل للإجابة عنه! إن الحضارة المصرية أبهرت كل الأجيال في كل البلدان علي مستوي العالم أيا كان مستوي الثقافة أو المعتقدات. وذلك يرجع بلا شك لأن هذه الحضارة التي أصبحت مفتاحا لحضارات العالم، تعتمد علي منظومة من القيم قامت بنقلها للجميع. لقد كتبت يوما مقالا عن السبب وراء هذا الانبهار العالمي هو إيمان المصريين بالخلود، فهم يعرفون أنهم سيموتون فكان يجب أن تتحدث حضارتهم باسمهم بعد رحيلهم.
لقد ظهر علم المصريات منذ زمن، ومازالت هناك الكثير من الاكتشافات التي تظهر يوما بعد يوم؟
-الواقع أن علم المصريات علم حديث العهد، فبعد الفتح العربي لمصر في القرن السابع ، انغلقت البلاد علي سكانها لم تكن هناك اكتشافات أثرية ذات قيمة. إلا أنها عادت من جديد في القرن السادس عشر . لذلك مازال هناك الكثير لاكتشافه في أرض مصر. فهناك أهرمات تم اكتشافها في عهود قديمة وثم غطتها الرمال من جديد. ومن يعرف طبيعة مصر، يعرف أنه في عامين يمكن للطبيعة أن تتغير تماما. فمنطقة سقارة علي سبيل المثال تذخر بعشرات الكنوز التي لم يتم اكتشافها بعد.
< تتحدث روايتك الأخيرة عن ميلاد الحضارة المصرية، هل تغير أسلوب كتاباتك مع الوقت؟
- أنا لا أستطيع أن أكتب عن شيء أجهله. وحتي وقت قريب لم تكن هناك وثائق أو معلومات كافية عن بداية عصر الأسرات إلا أن اكتشافات جديدة في مصر الوسطي سمحت لنا بالتعرف علي برديات يرجع تاريخها إلي ما قبل الأسرة الأولي. فأنا أعمل دائما اعتمادا علي كمية كبيرة من الوثائق التي أرتبها في صندوق للأحذية ثم أقوم باختيار الشخصيات وتأليف سيناريو الأحداث. ودائما ما أكتب آخر جملة من الرواية قبل بدايتها.
فتأليف رواية بالنسبة لي أكثر إرهاقا من الجري 10 آلاف متر أوليمبي. فأنا مازالت أكتب بيدي ولا أستعمل الكمبيوتر.
< وكيف تري نفسك؟ عالم، أم أديب أم مهتم بتبسيط العلوم؟
- أنا بالأساس عالم، وأنا مستمر حتي الآن في نشر المقالات في المجلات المتخصصة، وأنا أيضا كاتب ومهتم بتبسيط العلوم وإن كنت لا أحب هذه التسمية.. فزملائي في ألمانيا علي سبيل المثال يضطرون، إلي جانب عملهم البحثي، إلي تأليف كتب للعامة.
< لكن في فرنسا، هناك فرق كبير بين الكتابة الشعبية والمؤلفات العلمية. فما رأيك في ذلك؟
- نعم، بسبب ذلك لم أحصل علي جائزة جونكور الأدبية، وأنا لست نادماً علي الجائزة نفسها بل أنا حزين من أجل قرائي. فعندما تكتب لمجلة علمية، فإنك تكتب لمتخصصين ولا تبذل جهدا كبيرا ليكون مقالك مفهوما. لكن لتكتب رواية تصبح من بين الأكثر مبيعا، فإنك تبذل الكثير من الجهد الذهني والبدني يشعر به القارئ بكل تأكيد. فالقراءة يجب أن تكون متعة قبل أي شيء.
< هل الكتابة عن حقبة ماضية لمدة 12 ساعة يوميا يفصلك عن الواقع؟
- لا فانا أهتم كثيراً بعصرنا الحالي. أتابع نشرة الأخبار واقرأ الجرائد. أنا أكتب عن حضارة قديمة جدا اختفت من آلاف السنين، ولكنها بالنسبة لي نموذج للقيم. فأنا أري أني أكتب روايات معاصرة وليست تاريخية لأن هناك الكثير لنتعلمه من الحضارة المصرية القديمة.
الفارق الوحيد بيننا وبينهم هو التقدم التكنولوجي، إلا إننا فقدنا الروحانيات والعلاقات الإنسانية. وأصبحنا نعيش حالة شديدة من التعصب وفقدان التسامح وغياب الحوار. لقد كانت مصر الفرعونية نموذجاً للحياة في عدالة وسلام.