الحسنة ضياء في القلب والسيئة ظلمة فيه
إنّ المؤمن إذا نزل به بلاءٌ أو شكا من أمر من أمور الدنيا حلَّ به، عاد باللائمة على نفسه وقال: لابدّ قد أذنبْتُ ذنباً.. لابدّ أنّي قصّرتُ في حقِّ الله تعالى.. قد أكونُ ظلمتُ عبداً من عباد الله.. أو ضيَّعتُ فريضةً من فرائض الله.. أو انتهكتُ حُرمَةً من حُرُمات الله. فسرعان ما يرجعُ إلى ربه ويقرع بابه تائباً مستغفراً.
والمؤمن إذا أصابه خيرٌ ردّ الفضلَ إلى الله تعالى وقال: الحمدُ لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات، الحمدُ لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
المؤمن يرى أنّ للمَعاصي آثارها الوخيمة في الدنيا والآخرة. يقول ابن عباس (رض):
"إنّ للحسنةِ نوراً في القلب، وضِياءً في الوجه، وقوّةً في البَدَن، وزيادةً في الرزق، ومحبةً في قلوبِ الخَلْق، وإنّ للسيئة سواداً في الوجه، وظُلمةً في القلب، ووَهْناً في البدن، ونَقصاً في الرزق، وبُغضةً في قلوب الخَلْق".
بعض الناس يظنون أم شؤم المعاصي وعقوبتها مؤجّلٌ إلى الآخرة، إلى حساب يوم القيامة. لا؛ هناك حسابٌ في الآخرة، وهناك حسابٌ في الدنيا. يعجِّلُ الله للناس العقوبةَ في الدنيا وخاصةً إذا لم يُعاقَبوا العقوبات الشرعية، فإنّ العقوبات القدريّة لهم بالمرصاد. فإذا لم تُقَم الحُدودُ ولم يُعاقبُ المُفسدون، فإنّ العقوبات القدريّة والعقوبات الكونيّة لهم بالمرصاد. وإذا نزلَتْ عقوبةُ الله فإنّها تَنزِلُ على الجميع. نلاحظ أنّ العقوبات الشرعية تصيب فقط مَنْ يستحقها. أمّا العقوبات السماوية فإنّها تَعُمُّ؛ قال تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الأنفال/ 25).
حيثما ينزلُ البلاءُ شؤمُ المعصية على الناس، يُصيبُ الجميعَ الصالح والطالح. الطالحُ لطلاحه والصّالحُ لسُكوتهِ عن المنكر وعدم تغييره له؛ فإذا اشتركَ الجميعُ في قبول المنكر والسّكوت عنه فإنّ الله تعالى يوشكُ أن يعمّهُم بعقابٍ من عنده.
سئل رسول الله (ص): "أنهلِكُ وفينا الصالحون؟ قال (ص): "نعم، إذا كَثُرَ الخبث"، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود/ 117).
المعصية شؤمٌ على الناس شؤمٌ على الفرد في حياته، تُصيبُهُ بالقلق، بالرُّعب، بالأمراض، بكلِّ ما يُعكِّر عليه صفوه وما ينغّصُ عليه عيشَهُ. إنها المعيشةُ الضَّنكِ كما قال تبارك وتعالى حينما أنزل آدم وزوجه حواء (ع) إلى الأرض: (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) (طه/ 123-126).
قد يعيش الإنسان هذه المعيشة الضَّنك وعنده الآلافُ والملايين والمؤسسات والبنايات والأراضي؛ ولكن الضَّنكَ في نَفْسِهِ، في صدره، يشكو منه رغم أنّ معه الآلاف والملايين، الرعبُ يملأ قلبه، يخافُ المرض، يخافُ الموتَ، يخافُ على المستقبل المجهول، يخافُ فقدانَ النّعمة، يخافُ من نُزول النّقمة وهذا من شؤم المعصية.
إذا كنتَ في نِعمَةٍ فارعَها **** فإنّ المعاصي تُزيلُ النِّعم
وحُطْها بطاعةٍ ربِّ العبادِ **** فربُّ العبادِ سريعُ النِّقَم
إنّ الناس عندما يشكرون نعمة الله ويستخدمونها في طاعته، فإنّ الله عزّ وجلّ يحفظها عليهم ويزيدهم منها. أما إذا كفروا نعمتَهُ، إذا بطروا بها، إلا لم يُؤدّوا حقّها، إذا أصبحَتْ النّعمةُ في أيديهم مصدراً للمعصية وسبباً للإعراض عن الله، فإنّ الله سرعانَ ما يُعاقبهم قال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل/ 112).
إنّ النّعم إنما أعطيت للناس ليستعينوا بها على طاعة الله لتكون أداتهم للوفاء بحقِّ الله وشُكرهِ. أما إذا استخدموها في المعصية، إذا آتى الله الإنسان المال فجعله الإنسان سبباً في الفساد، إذا آتاهُ الصحة فاستمتع بصحّته في الشهوات المحرّمة، إذا آتاهُ الله العقلَ فلم يُفَكّر به إلا في الشر، إذا حوّل الإنسانُ نِعَم الله وسائل لمعصية الله، فإنّ الإنسان عندها لا يُعدُّ مُستَحقّاً لهذه النّعم، وهذا ما يجعله مُعرّضاً لأن يفقدها. قد لا يفقدها فجأةً وإنّما تُسلَبُ منه رويداً رويداً فإذا تذكّر، إذا اتّعظَ، إذا انتبه من غفلته وصحا من سكرته وتابّ إلى الله فإنّ الله تعالى يتوب عليه. أمّا إذا ظلّ في معصيته وكُفرانه فإنّه يستحقُّ سلب النعمة منه وصدق الله العظيم (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم/ 7).
إنّ الطاعة والإستقامة والتّقوى لله عزّ وجلّ تجعلُ الإنسانَ جديرٌ بالحياة الطيّبة في الدنيا والأجر الحسن في الآخرة قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل/ 97).
ليست الحياة الطيّبة التي أشارَ إليها القرآن الكريم هي كثرةُ المال ولا كثرةُ الرفاهية فقد كان المسلمون قبل عصر البترول وقبل الأموال التي تدفّقت كانوا يحبّون بعضهُم بعضاً. كان يأمَنُ كلُّ واحدٍ منهم أخاه على نفسه وماله وعرضه.
كانت حياةً طيّبة، فما صنعَ الناسُ حينما تدفَّقت عليهم الثروات ووسّع الله عليهم في الرزق؟.. ماذا فعل الناسُ إزاء هذه النّعمة..
هل حفِظُوها؟.. هل ظلّوا كما كانوا من قبل؟.. أم أصبحنا نسمعُ ونَرى ونقرأ ما يصنَعهُ أصحابُ الثّروات الذين يلعَبون بالملايين في بلاد الكُفر ويُنفِقُونَها في الخمر والميسر والنّساء!.. ضيَّعوا الأموال، وضيَّعوا الحقوق؛ حقَّ الله تعالى، وحقَّ عباده.
نسأل الله العفوَ والعافية. إنّ الله سبحانه وتعالى لا يغيِّر ما بِقَوْمٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفسِهِم؛ سُنّةٌ من سُنن الله، وقانونٌ من قوانينه لا يتغيَّر لقول الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال/ 53).
(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (الطلاق/ 2-3).
(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) (الطلاق/ 4).
موقع لجميع المسلمين