مع كل صباح تحمل السيدة المصرية "أم أحمد" (45 عاما) حقيبتها المعبأة بأنواع مختلفة من الملابس والمفروشات والعطور على كتفها لتعرض بضاعتها على موظفي عددٍ من المصالح الحكومية بالقاهرة، كي توفر في نهاية اليوم متطلبات أسرتها، خاصةً علاج زوجها المريض وجهاز ابنتها المقبلة على الزواج.
فبمجرد أن تدخل "أم أحمد" -التي تحولت إلى ما يمكن أن يطلق عليه بلغة التجارة "تاجر شنطة"- أحد المكاتب تتعالى أصوات الموظفين رغبةً في التعرف على جديد البضاعة لديها، خاصةً وأن أسعارها تقترب من أسعار الجملة.
وفي لقاء مع صفحة الأمل بموقع "mbc.net" تروي "أم أحمد" قصة كفاحها
بالقول: "تزوجت بعد حصولي على دبلوم التجارة بسنةٍ واحدةٍ من صاحب محل أجهزة كهربائية كان يقطن بجانب منزلنا وأنجبت منه ثلاث بنات.. ومرّ على زواجنا 18 عاما بسلام، يخرج زوجي لعمله مع كل صباح وفي المساء يعود حاملاً ما لذّ وطاب من الأطعمة والفواكه، والكل سعيد ولا يجد أي مشقةٍ في الحياة".
"وتزوجت ابنتي الكبرى –تستطرد أم أحمد- بكل يسر؛ حيث ساهم والدها في تكاليف جهازها، بل وساعد العريس نفسه لأنه كان شابا في بداية الطريق، ولكن ذات يومٍ عاد عمّال المحل بأبي أحمد محمولا إلى المنزل بعد أن سقط مغشيا عليه، وشخَّص الطبيب حالته بأنه مصاب بضعفٍ شديدٍ في المناعة تجعله غير قادرٍ على العمل".
نقطة فارقة
ولم تمض شهور قليلة حتى فرغ المحل من البضاعة، في ظل نفقات علاج رب الأسرة ومتطلبات الحياة اليومية للأسرة، حتى لم يعد في المنزل إلا بضعة جنيهات، وكانت هذه هي النقطة الفارقة التي جعلت "أم أحمد" تفكر في دورٍ جديدٍ تقوم به لتنقذ أسرتها من التشرد، خاصةً وأن ابنتها الوسطى تقدم لخطبتها أحد الشباب.
وحاولت "أم أحمد" العمل كبائعةٍ في محل للملابس الجاهزة، لكن طول وقت العمل أعجزها عن التوفيق بين هذا العمل ورعاية زوجها المريض وبناتها.
وفي ظل هذه الظروف العصيبة جاء لأم أحمد عرضٌ من إحدى قريباتها يتمثل في قرض صغير لتستغله في مشروع صغير يكفيها ذل السؤال، وعن هذا العرض تقول أم أحمد: "جاءني هذا العرض لكن بقيت فكرة المشروع نفسه غير معروفة.. وذات يوم كنت جالسة أفكر، فمرّت علي سيدة تحمل شنطة (حقيبة) هاندباج بها ملابس متنوعة تعرض عليّ الشراء، وعندها شعرت أني وجدت ضالتي في التجارة البسيطة".
"ذهب الخجل"
وفي البداية قامت "أم أحمد" بشراء كمية من الخضروات وتجهيزها للموظفات الراغبات في اختصار وقت الطهي، موضحة ذلك بالقول: "بدأت أذهب إلى السوق في ساعات الصباح الباكر أشتري الخضروات مثل البازلاء والبامية والكوسة، وأقوم بتجهيزها وتنظفيها ووضعها في أطباق لأعرضها على الموظفين الحكوميين.. وكنت في البداية شديدة الخجل، فأذهب إلى موظفةٍ أطلب منها أن تخبر زملاءها الذين يرغبون في الشراء، ولكن مع مرور الوقت زال الخجل".
وبعد فترةٍ ليست بالطويلة قررت "أم أحمد" أن تطبِّق مشروع حقيبة الملابس التي رأتها من قبل.. فمن أسواق الجملة تجمع تشكيلة متنوعة من الملابس والمفروشات، ثم تتوجه بها لنفس الموظفين تعرضها عليهم.
وتقول أم أحمد: "يحرص الموظفون على متابعتي ومعرفة الجديد لدي، خاصةً وأني أوفِّر عليهم وقت الذهاب للمحلات، فضلاً عن أني أبيع لهم بأسعار رخيصة قريبة من الجملة".
وفي ظل هذا المشروع البسيط تمكنت "أم أحمد" من توفير نفقات أسرتها اليومية والاستعداد لزواج ابنتها المقرر بعد شهرين حيث تقوم بشراء احتياجاتها بالتدريج.