تعتبر
زيت الزيتون من الزيوت الأكثر صحية، فضلا عن كونه أساس كل الأطباق ومصدر
رزق للعديد من العائلات بقرى ومداشر الولاية، فأغلب العائلات القبائلية
تعتمد على هذا لمنتوج للاستهلاك وبيعه جاهزا للحصول على المال.
وتنتشر أشجار الزيتون بكثرة في منطقة القبائل بتعدد أنواعها، وتتميز هذه
الشجرة المباركة، بكونها تعمر طويلا إذ يصل عمرها الى ألف سنة أو أكثر،
وتنتشر كثيرا في أعالي الجبال، ونوعية الزيت الذي يستخلص منها تحدد حسب نوع
التربة التي تختلف بين السوداء والصخرية وغيرها.. كما يختلف لون زيت
الزيتون بين الاسود، الاصفر والوردي والبني الفاتح، إضافة الى هذا، فإن
التربة من شأنها أيضا أن تحدد حجم حبات الزيتون بين الكبيرة والصغيرة،
ويسمى العصير الاول للزيتون "بأمورج" في حين يطلق على الثاني اسم "أشميال".
"تيمشرط".. عادة للتآزر بين الأغنياء والفقراء
وتشرع العائلات القبائلية، بمجرد ظهور ثمرات أشجار الزيتون وقبل مباشرة
عملية الجني والجمع، في إحياء عادة "تيمشرط"، هذه التظاهرة الثقافية
التقليدية الشعبية، لا تزال تمارس إلى يومنا هذا، ويتم انتقالها عبر
الأجيال، فهي تعد شكلا من أشكال التآزر بين الأغنياء والفقراء وتصاحب دائما
عملية جمع الزيتون، حيث ينادي شخص يمثل لجنة القرية، من المسجد، السكان،
الى الاجتماع بـ"ثاجماعت نتادرث" ليقرروا اليوم الذي يحيون فيه "تيمشرط"،
لتقدم بعد ذلك معظم العائلات كباشا وماعزا كل حسب استطاعته، للجنة التي
تقوم بذبحها، حيث يتم توزيعها على كافة السكان، فتجتمع النساء لتحضير طبق
الكسكسي باللحم والبقول الجافة، فيتناول الرجال هذه الأكلة في "ثاجماعت"،
في حين تجتمع النساء في البيوت. والهدف الأساسي لهذه العادة، التي لا تزال
تحافظ عليها العائلات، هي شكر الله على وفرة المنتوج، وكذا دعوته ليحميهم
من السوء والأمراض، وأن تكون السنة المقبلة خيرا عليهم. أما الاهتمام الذي
توليه القبائل لهذه العادة، فيعود الى ترسيخ صور التضامن والتآزر واستمرار
تعزيز أواصر التعاون بين القرويين.
جني الزيتون بـ"التويزة"
بعد تنظيم عادة "تيمشرط"، تتجه العائلات القبائلية نحو حقولها من أجل
الشروع في عملية جني الزيتون، وهذا عن طريق ما يسمى "التويزة"، وهي أن تقوم
عائلة معنية من القرية تعتزم جني محصولها، باستدعاء أفراد عائلة أخرى من
أجل مساعدتها في العملية، حيث تتولى العائلة المستضيفة تحضير طبق الكسكسي
لإطعام العائلة التي تساعدها كما تطعم أيضا عابري السبيل، ويحدد مقابل هذه
المساعدة حسب المتفق عليه بين العائلتين، فإن كانت العائلة المدعوة لا تملك
أشجار الزيتون، فالمقابل يكون بإعطائها زيت الزيتون بعد عصره، وإن كانت
تملك، فإنها ستقوم هي الاخرى بمساعدتها في عملية جني محصولها.
وبعد الانتهاء من عملية الجني، يوجه المنتوج الى المعصرة ليتم عصره باتباع خطوات تدريجية.
وتجدر الإشارة الى أن هناك سكانا يفضلون المعاصر التقليدية على الحديثة، وهذا لكونها تضفي نكهة خاصة على المنتوج.
أكلات تقليدية.. زغاريد
وبارود
وبعد الحصول على الزيت ودخوله الى البيوت، فإن استقباله يكون بطريقة مميزة
جدا، إذ تستقبل النسوة زيت الزيتون بالزغاريد، وقد يصاحبها إطلاق البارود
في بعض القرى، تعبيرا عن الفرحة والشكر لله على نعمته.
وقد كان زيت الزيتون يحفظ قديما فيما يسمى "أشبايلي"، وهو عبارة عن قدر
كبير مصنوع من الطين، أما في الوقت الحالي فتتم تعبئته في دلاء وقارورات
مختلفة الأحجام.
وتكون الأكلة الأولى عادة، التي تحضرها العائلات العاملات لتستقبل بها
دخول الزيت الى البيت، "البغرير" أو ما يطلق عليه "بثيغريفين"، حيث يتم
غمسها في زيت الزيتون قبل تناولها، كما تقوم بعض العائلات الاخرى بتبادل
الأكلات التقليدية المختلفة، التي تعرف بها منطقة القبائل مثل المطلوع
"تامثونت"، "أحدور" (المسمن)، الاسفنج وخبز الشعير وغيرها من المأكولات
التي تمزج بزيت الزيتون، الى جانب طبق "البركوكس" أملا في أن تثمر الاشجار
من جديد في موسم آخر، ليبقى جني الزيتون عملية وعادة تتوارثها الأجيال