تشرد الأطفال
إن الأطفال لا يحملون من طفولتهم سوى الاسم فقط بعد أن غابت عن ملامحهم الابتسامة
وحلت مكانها علامات البؤس والشقاء و أحيانا الجريمة.
تراهم تارة في الشوارع في تجمعات أو فرادى بعد أن تركوا بيوت أسرهم إما قسرا بسبب انعدام
الإنسانية في قلوب البعض أو طوعا بعد أن زحف شبح التفكك الأسرى يخيم على البعض الآخر
فاصبح الشارع هو الملاذ الواسع والمخيف لهؤلاء الأطفال أطفال يبيتون تحت الجسور وعلى الأرصفة وفي الحدائق .
نرى الأطفال يبيعون الألعاب والمنتجات مصنعة محليا أو أجنبيا على الأرصفة وداخل الأزقة
والمناديل الورقية مرورا بماسحي زجاج السيارات وانتهاء بماسحي الأحذية ,تراهم بأعداد كبيرة مقابل انخفاض اعمارهم
يتعرض هؤلاء إلى الكثير من الإهانات التي تؤثر في شكل قاطع على سلوكياتهم لتصبح العدوانية هي منهج تعاملهم مع الاخرين
إن التشرد يمثل جزءا من التشرد الاجتماعي يسعى فيه الطفل للانعزال عن ماضيه ولا يهتم كثيرا
بمستقبله ويحصر نفسه في اللحظة التي يعيشها , وهناك خصائص مشتركة تجمع كل فئات المشردين
مثل التمرد على الأنماط والنظم الاجتماعية , وكثرة الحركة, وانعدام الثقة في الآخرين ,وعدم التفكير
المستقبلي , والنضج المبكر, والاعتماد على النفس , وخلق ثقافات فرعية وارتفاع درجة الوعي
الأمني تتمثل من خلال وسائل دفاعية يتحصنون بها ضد الآخرين, وهؤلاء الأطفال انتهجوا منهجا
خاصا يستطيعون أن يعيشوا ويتكيفوا مع بيئة الشوارع دون أن تتوفر لهم الحماية0
أهم أسباب التشرد :- الفقر: ويتمثل في انخفاض الدخل الخاص برب الأسرة 0
- عوامل اقتصادية: مقابل الغلاء والتضخم 0
- ازدياد البطالة وهبوط المستويات التعليمية
- سياسات التعليم الخاطئة التي تؤدي إلى التسرب المدرسي
- الطلاق والانفصال والتفكك الأسري الذي يرمي بأعداد كبيرة من الأطفال إلى أخطار الشوارع والطرقات0
- رفاق السوء .
- الحرية بلا رقابة أو قيود0
- إهمال الأهل أو جهلهم 0
- افتقاد أحد الوالدين إما لوفاته أو غيابه بسبب المرض أو السجن أو الاختفاء
لفترات طويلة 0فالتواجد غير المنتظم لرب الأسرة قد يؤدي أحيانا حتى داخل الأسرة المستقرة
لابتعاد الطفل عن المنزل واحتكاكه بشرائح أخرى وربما تقود إلى تغيير سلوكه واتجاهه لممارسة
أساليب غير معتادة وإجرامية وتلاحظ أن اغلب الجرائم التي يرتكبها الأحداث هي ممارسة النشل
والسرقات المنزلية والاتجار وتعاطي للمخدرات والخمور بين الطرقات والأزقة والاتجاه أحيانا
للانحرافات غير الأخلاقية للكسب كالدعارة بما يعرض لمشاكل الجنسية والتناسلية مثل الإيدز.
إن الدراسات التي قامت بها منظمة الصحة العالمية ضمن الشوارع توصلنا إلى أن ما بين كل 35% إلى 90%
من أطفال الشوارع يستخدمون المواد المخدرة 0
إن تعدد بنات الشوارع اقل بنسبة 30% بسبب أقلية البنات اللواتي يطردون من منازلهم إضافة إلى
أن الدولة والمجتمع المحلي يهتمون باحتواء مشكلة البنات بشكل أسرع من الأولاد 0
إن ظاهرة التشرد توجد في جميع مدن العالم الكبرى ويقدر الأمم المتحدة أعداد الأطفال
يوميا نتيجة الحروب والتصحر والفقر 0
إن هذه الظاهرة المتفشية كمرض معد قاتل تدمي القلوب عندما ترى الأطفال وهم يلتقطون قطعة
خبز من الطريق ويلتهمونها أو عندما ينبشون في حاوية الزبالة أو عندما يهربون في الشوارع
خوفا من مطاردة رجال الأمن لهم والمأساة تكون عندما تسمع قصصهم والأسباب التي دفعت بهم إلى عرض الشارع 0
فإذا كان أطفال الشوارع وباء تحتاج إلى علاج فعال أعربت بعض أجهزة الدولة عن رغبتها في
القبض عليهم و إلحاقهم بمؤسسات الدولة الإصلاحية , ولكن بعد خروجهم من يتابعهم ويراقبهم وماذا فعلت الإصلاحية لهؤلاء ؟!
إن العلاج الفعلي هو مكافحة الفقر والجوع والمرض وشدة الحاجة , و إعداد برامج فعالة لإعادة تأهيل
هؤلاء المشردين وإدماجهم في مجتمعهم 0والمتابعة والتوفيق0
إن ضعف المتابعة هو اكبر سلبيات البرامج التي قدمت حيث نجد إن آلاف الأطفال المشردين تم استيعابهم
في هذه البرامج إلا أن المعلومات حولهم تكاد تكون منعدمة في تلك البرامج , وان عدم التوثيق هو أيضا
من سلبيات كل البرامج فان من النادر إن نجد وثائق موضوعة بشكل علمي يمكن الرجوع أليها للوقوف
على نوعية الخدمات التي قدمت , وعدد الأطفال الذين استفادوا منها والتقييم الذي تم لها 0
ما هو الحل ؟!
كما جاء في دراسة الباحث السوري البروفيسور ممتاز نحاس لتجنب تشرد الأطفال أو لجوئهم إلى
أعمال وضيعة فانه يتوجب على المجتمع :
- إنشاء جمعيات أو مؤسسات تقوم مقام الأهل بحيث تأخذ الطفل الذي لم تتوفر له الأسرة التي تستطيع
أن تؤمن له التربية السليمة سواء لفقدان الإمكانات المادية لديها أو لفقدان أهليتها الثقافية أو الأخلاقية
التي تمكنها من تحمل عبء تربية الطفل بشكل سليم , فان المعالجة تكمن في معالجة الوضع الاجتماعي أو المادي أو كلاهما 0
- إنشاء جمعيات خيرية تأخذ على عاتقها استلام الأطفال من العائلات المعوزة وتتعهدهم بالتعليم والدراسة
حسب رغباتهم مع دفع رواتب شهرية لعائلاتهم مقابل الإيراد الذي كانوا يجنون من تشغيل أولادهم 0 وبهذا
نكون قد حافظنا على الأسر وعلى الأطفال 0
- إحداث معهد علمي تربوي مهني يساعد الجمعيات الخيرية في مهامها من قبل رجال الأعمال
أصحاب المعامل والصناعات بحيث يمكن من خلاله تعهد الأطفال بما يتفق مع مؤهلات ورغبات
كل واحد وكذلك بما يتفق مع احتياجات رجال الأعمال من الخبرات.للاستثمار ذكاء هؤلاء الأطفال
بشكل سليم بدل إن تستعمل بالتفنن في استخدام وسائل لسرقة والتخريب و أعمال الإجرام 0
- إيجاد الدوافع المادية الرادعة للإنجاب مثل توقف الحكومة عن كافة أنواع الدعم للأسر التي تنجب
اكثر من طفلين , وذلك لان الإنجاب الكثير للأطفال يؤدي إلى رفع معدل البطالة و إضعاف في قيمة النقد
وانخفاض في مستوى المعيشة ورفع معدل التخلف الاجتماعي بكافة أنواعه واشكاله0
- ضرورة مراقبة تنفيذ قانون الزامية التعليم ووضع إجراءات صارمة لمن يخالف