ليست مشكلة البطالة حديثة العهد، وإنما تمتد جذورها إلى عقود ماضية ولكنهاكشفت عن وجهها القبيح بصورتيها السافرة والمقنّعة، إذ بدت المشكلة واضحة وخطيرة،حيث قلة فرص العمل للشباب باتت حاضرة.
البطالة وبشكل متعارف عليه
هي آفة تصيب مجتمعاً معيناً وتؤدي إلى انهياره بكامل دوافعه وفعالياته، إن
كانت اقتصادية، اجتماعية، سياسية وحتى تربوية، فمن الناحية الاقتصادية قلة
العمل تؤدي إلى صراع بين الفرد والمجتمع، وتهيمن على فكرة ومفهوم الإنسان،
وتخلق نوعاً من التحدي لديه. أما من الناحية الاجتماعية فقلة العمل أو
انعدامه تخلق الخلافات وتنبت جذورها حتى يعتقد الإنسان أنه فاشل وغير نافع
لبناء حياة ومستقبل . أما من الناحية السياسية فتخلف البطالة ما يسمى
بالمحسوبيات، ولكن من الناحية التربوية وهي الأهم لأن الإنسان الصالح يبني
وينشئ وطناً صالحاً، فتؤثر البطالة عليه من ناحية أنه من جرّاء قلة العمل
يترك الولد تعليمه ويذهب إلى شيء يمكن أن يكون منافياً للثقافة، وللعادات،
وللتقاليد التي يقوم عليها كل مجتمع. هذا من الناحية الأولى . أما من
الناحية الثانية فالبطالة تدفع بالإنسان المحبّ للعلم وللثقافة لأن يترك
بلده ويهاجر إلى بلاد الاغتراب طلباً للعمل وللعلم، وباحثاً عن مكان يجد
فيه الاستقرار والأمان بعيداً عن النزاعات والخلافات التي أدت إليها
البطالة، فبذلك يكون الوطن والمجتمع قد خسرا أدمغةً ساعيةً للجدّ والعمل،
فالنزاع أصبحت جذوره تمتد حتى بين الأخ وأخيه فمجتمعنا أصبح الآن يُصنف من
دول العالم الثالث, أي من الدول الفقيرة . الجميع يتساءل لماذا وصلنا إلى
هذا المنحدر، أخي الإنسان سوف نجيب على هذا السؤال المعقد من بعض النواحي:
وصلنا إلى هذا بسبب معدّل النمو السكاني المرتفع، وقلة الدخل، وغلاء
المعيشة، ومحدودية النشاط الصناعي والتجاري، وانعدام التوازن بين معدل
الزيادة السكانية والموارد الاقتصادية، والأسباب تزداد ولكن المعنى واحد،
البطالة تؤدي إلى خسارة مجتمع، أجدادنا سعوا جاهدين للحفاظ عليه، ويؤدي ذلك
أيضاً إلى انتشار الأميَّة، والبطالة في حال وصلت إلى مراحل أبعد من ذلك
قد تؤدي إلى إنتشار المجاعة وسوء التغذية ....
فتعالوا ننبتعد عمّا سُمِّي
محسوبيّات وخلافات، ونخمد نار الفتنة، ونعمل يداً واحدة حتى نُفيد غيرنا
مما نعرف، ونستفيد مما يعرفه الغير، لنبني وطناً يستطيع أن نعيد إليه
المغترب الذي يحلم هو وأبناء جيله أن يصحوا على السلم والأمان والاستقرار
ويجدوا أمناً يسمع إليهم ويحقق مطالبهم .
والبطالة داء خطير يحمل
الآثار السلبية على الفرد والأسرة والمجتمع، كانتشار الفقر بالإضافة إلى
تخلف الأوضاع الصحية الذي يؤدي إلى تردي الصحة النفسية والجسدية.. فنجد
نسبة من العاطلين عن العمل يفتقدون تقدير الذات، ويشعرون بالفشل، ويسيطر
عليهم الملل والإحباط، والقلق والكآبة وعدم الاستقرار النفسي والاجتماعي،
مما يؤدي لا قدّر الله إلى الانجراف خلف سموم المخدرات، وإن إهمال تلك
الطاقة الشبابية قد يعصف بها الفراغ، وتتقلّب بها الميول والاضطرابات
النفسية والعقلية، فتسبب لها مشاكل كثيرة، قد تعود آثارها على المجتمع، وقد
بيَّن الإسلام الحاجة المادية وأثرها على النفس، وحلّلها تحليلاً نفسياً
ومادياً، فإذا أدركت النفس حاجاتها الضرورية اطمأنت، واستقرت كما قال صلى
الله عليه وسلم: إن النفس إذا أحرزت قوتها استقرت، لذلك دعا الإسلام إلى
العمل، وكره البطالة والفراغ وسد أبوابها، لكي يحفظ الإنسان نفسه ويستطيع
توفير حاجاته الضرورية، ويكون عضواً فعَّالاً في المجتمع، فقال صلى الله
عليه وسلم: (لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب خير له من أن يسأل الناس أعطوه أم
منعوه). لذلك يتوجّب على رجالات المجتمع من مسؤولين ومربين توعية المجتمع
عامة بخطورة البطالة والحرص على تشغيل الشباب، والبحث عن الحلول الناجعة
للقضاء على البطالة ما أمكن، وحفظ الشباب والوطن من آثارها السلبية،
وأضرارها الخطيرة.
منقول