من حكمة الله تعالى ابتلاء العباد بالمصائب والفتن، منها الزلازل
من
عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى كافة إخواني المسلمين وفقني الله
وإياهم لفعل ما يرضيه وجنبني وإياهم أسباب سخطه وعقابه، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فلقد
أنعم الله علينا معشر المسلمين بنعم كثيرة وخيرات وفيرة، أهمها وأعظمها
نعمة الإسلام، تلكم النعمة الكبرى التي لا يعادلها شيء، من عقلها وشكرها
واستقام عليها قولاً وعملاً فاز بسعادة الدنيا والآخرة، يقول الله تعالى:
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ
لَظَلُومٌ كَفَّارٌ[1]، ويقول سبحانه وتعالى: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ
فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ[2]؛
فالواجب على الجميع شكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعم والحذر من عدم
الشكر، قال تعالى ممتنا على عباده: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ
أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ
وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[3]؛ فشكر الله على
نعمه جملة وتفصيلاً قيد لها، ووسيلة لدوامها وسبب للمزيد منها، قال الله
تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ
وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ[4]، وقال تعالى: بَلِ
اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ[5]، وقال تعالى:
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ[6]، وقال
تعالى: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ
الشَّكُورُ[7].
وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي
الله عنه أن يدعو بهذا الدعاء في دبر كل صلاة: ((اللهم أعني على ذكرك
وشكرك وحسن عبادتك))[8]، وبشكر الله على نعمه واستعمالها فيما يرضيه تستقيم
الأمور وتقل الشرور.
وإن من خير ما تحلى به أنبياء الله ورسله عليهم
الصلاة والسلام وأتباعهم من الصفات الفاضلة هو شكرهم للنعمة وطلبهم التوفيق
لذلك، قال الله تعالى عن نبيه سليمان عليه الصلاة والسلام: رَبِّ
أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى
وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ
فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ[9]، وقال مثنياً على نبيه نوح عليه الصلاة
والسلام: إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا[10].
ومن علامات شكر النعمة
استعمالها في طاعة الله سبحانه وتعالى، وعدم الاستعانة بها على شيء من
معاصيه، وكذا التحدث بها على وجه الاعتراف بها لله والثناء عليه، لا
تطاولاً وفخراً على من حرمها، ولا رياءً وسمعة، وعلى العكس من ذلك كفران
النعمة وعدم شكرها فهو نكران للجميل وجحد لفضل المنعم وعامل من عوامل
زوالها عمن أنعم الله بها عليه، وهو ظلم للنفس يجر عليها أسوأ العواقب، قال
الله سبحانه وتعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ
دَسَّاهَا[11] أي دنسها بالمعاصي. وبتقوى الله سبحانه وتعالى وطاعته
بامتثال أوامره واجتناب نواهيه تحصل الخيرات وتندفع الشرور والمكروهات
وتدوم النعم، قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا
وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[12]، وقال
تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا
بِأَنْفُسِهِمْ[13].
الموضوع الأصلى من هنا من حكمة الله تعالى ابتلاء العباد بالمصائب والفتن، منها الزلازل | من موقع : منتديات المعهد العربي
ومن
حكمة الله سبحانه وتعالى أنه يختبر عباده فيبتليهم بالخير تارة وبالشر
أخرى، فيزداد المؤمنون إيماناً على إيمانهم وتعلقاً بالله ولجوءاً إليه
سبحانه وتعالى، ويصبرون على ما قدره الله وقضاه ليتضاعف لهم الأجر والثواب
من الله، وليخافوا من سوء عاقبة الذنوب فيكفوا عنها، قال الله سبحانه
وتعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ
مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ *
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا
إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ
وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ[14]، وقال تعالى: أَمْ
حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ
الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ
وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى
نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ[15]، وقال تعالى: أَمْ
حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ
الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ[16]، وقال سبحانه
وتعالى: الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا
وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ
الْكَاذِبِينَ[17]، وقال تعالى: وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ[18]، وقال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ
بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ[19].
وكل هذه
الآيات يبين الله سبحانه وتعالى فيها أنه لا بد أن يبتلي عباده ويمتحنهم
كما فعل بالذين من قبلهم من الأمم، فإذا صبروا على هذا الابتلاء وأنابوا
إلى الله ورجعوا إليه في كل ما يصيبهم عند ذلك يثيبهم الله رضاه ومغفرته،
ويسكنهم جنته، ويعوضهم خيراً مما فاتهم، وما يحصل في هذا الكون من آيات تهز
المشاعر والأبدان كالصواعق والرياح الشديدة والفيضانات المهلكة للحرث
والنسل والزلازل، وما يسقط بسببها من شامخ البنيان وكبار الشجر، وما يهلك
بسببها من الأنفس والأموال، وما يقع في بعض الأماكن من البراكين التي تتسبب
في هلاك ما حولها ودماره، وما يقع من خسوف وكسوف في الشمس والقمر ونحو ذلك
مما يبتلي الله به عباده هو تخويف منه سبحانه وتعالى وتحذير لعباده من
التمادي في الطغيان، وحث لهم على الرجوع والإنابة إليه واختبار لمدى صبرهم
على قضاء الله وقدره ولعذاب الآخرة أكبر ولأمر الله أعظم.
ولما كذبت
قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر الله نبيه أنه قد أهلك الأمم
المكذبة للأنبياء والمرسلين السابقين عليه في قوله تعالى: وَكَمْ
أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا
فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ[20]. وأنزل بعدها قوله تعالى:
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى
السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ[21]؛ فعلى المؤمنين جميعاً أن يتقوا الله
ويراقبوه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وإذا ما حلت بهم نازلة من النوازل
فعليهم أن ينيبوا إلى الله ويرجعوا إليه ويفتشوا في أنفسهم عن أسباب ما
حصل؛ لأن الله يقول: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ
أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ[22]، وعليهم أن يتوبوا إلى الله مما
حصل منهم من نقص في الطاعات أو اقتراف للسيئات، فإن التوبة من أسباب رفع
المصائب، وعليهم أن يصبروا ويحتسبوا أجر ما حصل لهم من مصائب عند الله، قال
تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ
قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ
عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُهْتَدُونَ[23]، وقال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ
اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ[24]، المعنى من أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره
فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله هدى الله قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه
لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ويؤمن أن الله سيعوضه عما فاته في
الدنيا هدى في قلبه ويقيناً صادقاً، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه أو خيراً
منه، وكون بعض الحقائق قد تبين أن شيئاً من الكسوف أو الخسوف وما أشبههما
يعرف بالحساب أو ببعض الأمارات قد يحصل، فهذا لا ينافي قدرة الله سبحانه
وتعالى وتخويف عباده فهو يوقعها متى شاء، قال الله تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ
مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ
قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْ لا
تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ
لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ[25].
وحينما كسفت الشمس على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى بأصحابه صلاة الكسوف، خطب فيهم خطبة
بليغة أخبرهم فيها أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد
ولا لحياته ولكن الله يرسلهما يخوف بهما عباده، وأمرهم بالصلاة والصدقة
والتكبير والذكر والاستغفار والعتق، وقال في خطبته: ((يا أمة محمد والله ما
من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته, يا أمة محمد والله لو
تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً))[26] الحديث، وإن واقع أكثر
المسلمين اليوم يدل على استخفافهم بحق الله وما يجب من طاعته وتقواه،
والمتأمل يسمع ويرى كثيرا من العقوبات للأمم والشعوب، تارة بالفيضانات
وتارة بالأعاصير، وتارة بالهزات الأرضية، وتارة بالمجاعات، وتارة بالحروب
الطاحنة التي تأكل الرطب واليابس، كما بين سبحانه وتعالى في كتابه العزيز
بعض أنواع العقوبات التي أنزلها بالعاصين والمنحرفين عن الصراط المستقيم من
الأمم السابقة المكذبين لرسلهم ليتعظ الناس ويحذروا أعمالهم، قال تعالى:
فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ
حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ
خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ
لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[27].
وإن
للمعاصي والذنوب من الآثار القبيحة المضرة بالقلب والبدن والمجتمع والمسببة
لغضب الله وعقابه في الدنيا والآخرة ما لا يعلم تفاصيله إلا الله تعالى،
فهي تحدث في الأرض أنواعاً من الفساد في الماء والهواء والثمار والمساكن،
قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ
أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ
يَرْجِعُونَ[28]، وقال تعالى: وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ
بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ[29]،
وإن فيما يقع من هذه الكوارث عظة وعبرة، والسعيد من وعظ بغيره، وبالجملة
فإن جميع الشرور والعقوبات التي يتعرض لها العباد في الدنيا والآخرة
أسبابها الذنوب والمعاصي، وإن من علامات قساوة القلوب وطمسها والعياذ بالله
أن يسمع الناس قوارع الآيات وزواجر العبر والعظات التي تخشع لها الجبال لو
عقلت؛ ثم يستمرون على طغيانهم ومعاصيهم، مغترين بإمهال ربهم لهم، عاكفين
على اتباع أهوائهم وشهواتهم، غير عابئين بوعيد ولا منصاعين لتهديد، قال
تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى
عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا
فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ[30].
كما أن الاستمرار على معاصي الله مع
حدوث بعض العقوبات عليها دليل على ضعف الإيمان أو عدمه، قال تعالى: إِنَّ
الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ
جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ[31]، وقال
تعالى: قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي
الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ[32]، وقال تعالى: كَلا
بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلا إِنَّهُمْ
عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو
الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ[33].
أيها الإخوة في الله لقد حدث في الأيام القريبة الماضية حدث عظيم فيه
عظة وعبرة لمن اعتبر، ومن واجب المؤمنين أن يعتبروا بما يحدث في هذا الكون،
قال تعالى: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ[34]، ما حدث هو ما
سمعنا عنه في الإذاعة وقرأنا عنه في الصحف والمجلات، وما شاهده الناس على
شاشة التلفاز، وتحدث به القريب والبعيد، ذلك هو ما تعرض له اليمن الشمالي
من الزلازل والهزات التي اجتاحت كثيراً من مدنه وقراه، وما نتج عن ذلك من
ذهاب كثير من الأنفس والأموال والممتلكات، وخراب الكثير من المساكن، وجرح
الكثير ،وبقاء أسر كثيرة فاقدة أموالها ومساكنها، وأبناءها وأزواجها، فترمل
الكثير من النساء، وتيتم الكثير من الأطفال، وكل هذا حصل في وقت قصير، وهو
دليل على عظمة الله وقدرته، وأن العباد مهما تمكنوا في هذه الدنيا وكانت
لهم قدرة وقوة وعظمة ضعفاء أمام قدرة الله تبارك وتعالى..
وإن من
الواجب على جميع المسلمين أن يأخذوا العظة والعبرة مما حصل، وأن يتوبوا إلى
الله وينيبوا إليه ويحذروا أسباب غضبه ونقمته، وندعو الله لموتى إخواننا
اليمنيين بالمغفرة والرحمة، ولأحيائهم بالسكينة وحسن العزاء، وأن يجعل الله
ما حصل لهم مكفراً لسيئاتهم ورافعاً لدرجاتهم وموقظاً لقلوب الغافلين منا
ومنهم، كما يجب علينا أن نواسيهم بالتعاون معهم والعطف عليهم ببذل ما
ينفعهم من أموالنا إحساناً إليهم وصدقة عليهم جبراً لمصيبتهم وتخفيفاً من
عظمها عليهم، قال تعالى: وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ
تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا[35]، وقال
تعالى: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ
الرَّازِقِينَ[36]، وقال سبحانه: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ[37]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من نفس عن مؤمن كربة من
كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر
الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة،
والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))[38]رواه مسلم، وقال صلى
الله عليه وسلم: ((من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته))[39]، وقال صلى
الله عليه وسلم: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)) وشبك بين
أصابعه[40]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم
وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر
والحمى))[41]متفق عليه، فعلينا جميعاً المبادرة إلى مد يد العون لإخواننا
في اليمن وبذل ما نستطيع ليتحقق معنى الأخوة الإسلامية التي أشار إليها
الرسول في هذه الأحاديث الصحيحة، ولنحصل على الأجر العظيم الذي وعد الله به
المنفقين والمحسنين، وفق الله المسلمين عموماً وإخواننا في اليمن خصوصاً
للصبر والاحتساب، وضاعف لنا ولهم الأجر والثواب، وأنزل على المصابين
السكينة والطمأنينة وحسن العزاء، ومن على الجميع بالتوبة النصوح والاستقامة
على الحق والحذر من أسباب غضب الله وعقابه إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد [1] سورة إبراهيم الآية 34.
[2] سورة النحل الآية 53.
[3] سورة النحل الآية 78.
[4] سورة إبراهيم الآية 7.
[5] سورة الزمر الآية 66.
[6] سورة البقرة الآية 152.
[7] سورة سبأ من الآية 13.
[8] رواه النسائي في السهو برقم 1286، وأبو داود في الصلاة برقم 1301.
[9] سورة النمل من الآية 19.
[10] سورة الإسراء من الآية 3.
[11] سورة الشمس الآيتان 9 – 10.
[12] سورة الأعراف الآية 96.
[13] سورة الرعد الآية 11.
[14] سورة البقرة الآيات 155 – 157.
[15] سورة البقرة الآية 214.
[16] سورة آل عمران الآية 142.
[17] سورة العنكبوت الايات 1 – 3.
[18] سورة العنكبوت الآية 11.
[19] سورة الأنبياء الآية 35.
[20] سورة ق الآية 36.
[21] سورة ق الآية 37.
[22] سورة الشورى الآية 30.
[23] سورة البقرة الآيات 155 – 157.
[24] سورة التغابن الآية 11.
[25] سورة الحديد الآيتان 22 – 23.
[26] رواه البخاري في الجمعة برقم 986، ومسلم في الكسوف برقم 1499.
[27] سورة العنكبوت الآية 40.
[28] سورة الروم الآية 41.
[29] سورة الأعراف الآية 13.
[30] سورة الجاثية الآيتان 7 – 8.
[31] سورة يونس الآيتان 96 – 97.
[32] سورة يونس الآية 101.
[33] سورة المطففين الآيات 14 – 17.
[34] سورة الحشر من الآية 2.
[35] سورة المزمل من الآية 20.
[36] سورة سبأ من الآية 39.
[37] سورة البقرة من الآية 195.
[38] رواه مسلم في الذكر والدعاء والتوبة برقم 4867، والترمذي في البر والصلة برقم 1853.
[39] رواه البخاري في المظالم والغصب برقم 2262، ومسلم في البر والصلة والآداب برقم 4677 واللفظ متفق عليه.
[40] رواه البخاري في الصلاة برقم 459، ومسلم في البر والصلة والآداب برقم 4684 وأحمد في مسند الكوفيين برقم 18799.
[41] رواه البخاري في الأدب برقم 5552، ومسلم في البر والصلة والآداب برقم 4685 واللفظ له.