معجزة الإسراء والمعراج من أجلّ المعجزات وأعظم الآيات التي تفضّل بها
المولى سبحانه على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، لأهمية هذه المعجزة، فقد
ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم في موضوعين، ليلفت أنظارنا الى ما فيها
من دروس وعظات وعبر، الأول: في سورة سميت باسم هذه المعجزة وهي سورة
«الإسراء» والتي بدأها سبحانه بقوله: {سُبْحَانَ الَّذ.ي أَسْرَى
ب.عَبْد.ه. لَيْلًا م.نَ الْمَسْج.د. الْحَرَام. إ.لَى الْمَسْج.د.
الْأَقْصَى الَّذ.ي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ل.نُر.يَهُ م.نْ آَيَات.نَا إ.نَّه
هُوَ السَّم.يعُ الْبَص.يرُ}، والموضوع الثاني في مطلع سورة النجم
{وَالنَّجْم. إ.ذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاح.بُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا
يَنْط.قُ عَن. الْهَوَى * إ.نْ هُوَ إ.لَّا وَحْيٌ يُوحَى}، وقد وقع لنبينا
صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة الإسراء والمعراج من الأمور الجليلة
والمعجزات العظيمة الشىء الكثير، مثل شق صدره عليه الصلاة والسلام تهيئة
للرحلة في الملكوت الأعلى، ثم الإسراء به الى المسجد الأقصى في زمن محدود
وصلاته بالأنبياء والمرسلين في بيت المقدس، ثم صعوده الى السماوات العلى،
ثم مجاوزته السماء السابعة الى موضع لم يبلغه احد من الخلق، وفرض الصلوات
الخمس عليه وعلى أمته، وهي الفريضة الوحيدة التي فُرضت ليلة الإسراء
والمعراج في السماء السابعة ومن دون واسطة، لتكون معراجاً يرقى بالناس كلما
تدلت بهم شهوات النفوس وأغراض الدنيا.
دروس
والمتأمل لما جرى في
هذه الليلة المباركة يستخلص دروساً عظيمة منها: ربط رسالة النبي صلى الله
عليه وآله وسلم برسالة المرسلين جميعا، وهذا إيذانا بعالمية رسالته وخلود
إمامته وانسانية تعاليمه، وصلاحيتها لكل زمان ومكان، ومنها تسلية الله
تعالى لقلوب اوليائه عند المحن، ولهذا جاء الاسراء إثر وفاة ابي طالب
وخديجة رضي الله عنها، وإثر ما لقيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في
الطائف من الأذى البالغ، فجاء الإسراء والمعراج ليكون تسلية له عما قاسى،
وتعويضا عما أصابه ليعلمه الله عز وجل انه اذا كان قد أعرض عنك اهل الأرض،
فقد أقبل عليك اهل السماء، ولئن كان الناس قد صدوك فإن الله يرحب بك، وإن
الأنبياء يقتدون بك، الى غير ذلك من الدروس المستفادة.
أولى القبلتين
للمسجد
الأقصى قدسية كبيرة عند المسلمين ارتبطت بعقيدتهم منذ بداية الدعوة. فهو
يعتبر قبلة الأنبياء جميعاً، وهو القبلة الأولى التي صلى إليها النبي، صلى
الله عليه وسلم، قبل أن يتم تغيير القبلة إلى مكة. وقد توثقت علاقة الإسلام
بالمسجد الأقصى ليلة الإسراء والمعراج، حيث أسري بالنبي، صلى الله عليه
وسلم، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وهو مهاجر الأنبياء ومسرى محمد
صلى الله عليه وسلم، وفيه دلالة على واجب المسلمين في الحفاظ على هذه الأرض
المباركة وحمايتها من مطامع الأعداء، وفيه صلى النبي إماماً بالأنبياء
ومنه عرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء. ويعتبر المسجد الأقصى هو
المسجد الثالث الذي تشد إليه الرحال، قال صلى الله عليه وسلم: لا تشد
الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى.
الشعر والمعجزةيقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه
والرسل في المسجد الأقصى على قدم
لما خطرت بهم التفوا بسيدهم
كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم
صلى وراءك منهم كل ذي خطر
ومن يفز بحبيب الله يأتمم
جبت السماوات أو ما فوقهن بهم
على منورة درية اللُّجم
مشيئة الله الباري وصنعته
وقدرة الله فوق الشك والتهم
حتى بلغت سماء لا يُطار لها
على جناح ولا يسعى على قدم
وقيل كل نبي عند رتبته؟
ويا محمد هذا العرش فاستلم!
الرائحة الطيبة
قال
رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لما كان الليلة التي أسري بي فيها أتت
عليّ رائحة طيبة فقلت «يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة؟ فقال: هذه رائحة
ماشطة ابنة فرعون وأولادها، قلت: وما شأنها؟ قال: بينما هي تمشط ابنة فرعون
ذات يوم إذ سقط الم.دْرى من يديها فقالت: بسم الله. فقالت لها ابنة فرعون
أبي! قالت لا، ولكن ربي ورب أبيك الله. قالت: أخبره بذلك قالت نعم. فأخبرته
فدعاها فقال يا فلانة وان لك رباً غيري؟ قالت: نعم ربي وربك الله. فأمر
ببقرة من نحاس - قدر كبير من نحاس بحجم البقرة - فأحميت ثم أمر بها أن تلقى
هي وأولادها فيها! قالت له: إن لي إليك حاجة. قال وما حاجتك؟ قالت: أحب أن
تجمع عظامي وعظام ولْدي في ثوب واحد وتدفننا. قال: ذلك لك علينا من الحق.
قال: فأمر بأولادها فألقوا بين يديها واحداً واحداً إلى أن انتهى ذلك إلى
صبي لها مرضع وكأنها تقاعست من أجله! قال: يا أمه اقتحمي، فإن عذاب الدنيا
أهون من عذاب الآخرة فاقتحمت!