تلـــــوث الأســمـــاك
يتحدد نوع ودرجة التلوث في الأسماك المتداولة علي حسب المصدر الذي تأتي منه الأسماك ومدي توافر الوسائل الأزمة للمحافظة علي جودة الأسماك ونظافتها وعدم تلوث خلال مراحل التداول المختلفة .
وفي مصر فإن الأسماك المطروحة للتداول تأتي من مصدرين هما :
أ- المصايد المحلية : وهي مصايد البحرين الأبيض والأحمر والبحيرات ونهر النيل وفروعه والترع والمصارف ، واخيراً المزارع السمكية . حيث يقدر الإنتاج المحلي بحوالي ما بين 200- 250 ألف طن سنوياً .
ب- الأسماك المستوردة : وهي الكميات التي يتم استيرادها لتغطية النقص في الإنتاج المحلي في مواجهة الطلب الكلي علي الأسماك ومعظم الأسماك المستوردة تستورد في حالة مجمدة بالإضافة إلي بعض الكميات المعلبة والمدخنه ، والتي تتراوح ما بين 70- 100 ألف طن سنوياً .
تلوث الأسماك في مراحل ما قبل الإنتاج ( تلوث المصايد )
يعتبر تلوث المصايد من أخطر مصادر تلوث الأسماك سواء بالنسبة للأسماك المحلية أو المستوردة .
وتتمثل مشكلة تلوث المصايد المصرية في أن نهر النيل هو المورد الأساسي لإمدادات المياه لكافة الأغراض ويمتد تأثيره إلي كافة المسطحات المائية عن طريق نظام الري والصرف الذي يصب في النهاية في البحيرات والبحر المتوسط ، كما أن المزارع السمكية تعتمد في امدادها بالمياه علي المصارف الزراعية .
وفي دراسة اجرتها وزارة الصحة مع وزارة الري ( معهد الاثارالجانبية للسد العالي ) نجد أن هناك 67 مصباً في نهر النيل بدءاً من خزان أسوان إلي القناطر الخيرية ، منها 22 مصباً صناعياً والباقي مصبات زراعية ، وتبلغ كمية المياه المنصرفة من المصبات إلي نهر النيل حوالي
3 مليارات متر مكعب في السنة تصل للنهر محملة بالمخلفات التي تضم حملاً كبيراً من المواد العضوية وزيوت وشحومات ومعادن ثقيلة ومواد سامه وبقايا المبيدات الحشرية ومخصبات التربة إلي جانب المخلفات الادمية السائله التي تصرف فيها دون معالجة كما أن جملة ما تحمله المصارف الزراعية فى الدلتا وتصب حالياً فى بحيرات المنزلة والبرلس وادكو ومنها إلي البحر المتوسط تقدر بحوالي 16 مليار متر مكعب .
وقد تعرضت المصايد المصرية عبر العقود الأخيرة إلي تلوث خطير نتيجة التوسع في المشروعات الصناعية والزراعية والحضرية وزيادة السكان دون مراعاة تأثير هذه المشروعات على نوعية المياه مما أفرزالعديد من الآثار المدمرة التى لا تقتصر فقط على تلوث الأسماك .. بل القضاء على الثروة السمكية .
وتعتبر مناطق التجمع الصناعى (قبل توفيق أوضاعها) على طول نهر النيل وفروعه ،أحد مصادر التلوث الخطرة التى تؤثر تأثيراً بالغاً على مصايد أسماك المياه العذبة . فهناك صناعات منطقة أسوان ومجموعة مصانع السكر ومصانع الزيوت والصابون - ومصانع منطقة حلوان – ومصانع الأسمدة ومصانع الكيماويات – ومصانع منطقة شبرا الخيمة وأبو زعبل – وشركة الملح والصودا- ومصانع المبيدات والكيماويات والأسمدة على فرع رشيد (كفر الزيات) – ومصانع الأسمدة والصناعات الكيماوية على فرع دمياط (طلخا) ومجموعة الصناعات فى منطقة الإسكندرية .. وغيرها من الصناعات المنتشرة فى كافة محافظات الجمهورية ..وجميع هذه الصناعات تلقى بمخلفاتها دون معالجة تذكر إلى مجرى النهر الرئيسى وفروعه والمصارف الزراعية والبحيرات والبحر المتوسط .
ومع زيادة إستخدام المبيدات الكيماوية فى مصر(مبيدات الآفات والأعشاب) فإن جزءاً غير قليل ينساب إلى المجارى المائية خاصة البحيرات والبحر المتوسط حيث يتركز الصرف الزراعى لدلتا النيل فى بحيرات الدلتا الشمالية (مريوط – إدكو – البرلس – المنزلة) وأصبحت هذه البحيرات مجمعاً للمبيدات وغيرها من المخلفات الواردة مع مياه المصارف .
وتتمثل خطورة هذه المبيدات فى أنها تنتشر مع دورة المياه ، كما أنها شديدة الثبات وتبقى دون أن تتحلل زمناً طويلاً ،وتتمثل خطورتها فى إحداث سمية سرطانية وإحداث طفرات وراثية بالإضافة إلى أن بعض أنواع هذه المبيدات مهما قلت درجة تركيزه ذات خطورة على الثروة السمكية ، فعلى سبيل المثال فإن تعريض بيض السمك إلى تركيز مبيد الـ د – د – ت بما لايزيد على خمسة أجزاء فى المليون فى الماء سيموت منه حوالى 48% وقد قدرت إحدى الدراسات التى أجريت عام 1980 ، أن تركيز مبيد اللندين والـ د – د – ت فى عينات من أسماك بحيرة البرلس كانت فى المتوسط 70 – 270 وحدة فى البليون ، على التوالى ،وإن تركيز هذه المبيدات فى أسماك ومحارات بعض مناطق البحر المتوسط فى المياه الإقليمية المصرية كانت تتراوح بين 67 وحدة فى البليون من مبيد اللندين، 227 وحدة فى البليون من مبيد الـ د – د – ت .
كذلك أدت الزيادة فى إستخدام المخصبات الكيماوية الزراعية لزيادة خصوبة الأراضى الزراعية ، والتوسع فى إستصلاح الأراضى ، إلى إنسياب جزء من هذه المخصبات مع مياه الصرف الزراعى إلى مصايد الأسماك ، ولما كانت أهم مكونات هذه المخصبات هى المركبات الفسفورية والآزوتية فإن لزيادتها فى المياه اًثاراً ضارة على الثروة السمكية ، حيث تؤدى إلى حدوث ظاهرة التشبع الغذائى الذى له اًثار ضارة على إنتاج الأسماك ، علاوة على اًثارها السامة على الأسماك .
وبسبب القصور الشديد فى خدمات الصرف الصحى بسبب التوسع العمرانى الكبير والعشوائى فى معظم الأحيان ، فإن معظم المدن وجميع القرى على مستوى الجمهورية تتخلص من مياه الصرف الصحى فى المجارى المائية سواء ترع أو مصارف ومنها إلى البحيرات والبحر .
وتمثل كل من بحيرتى المنزلة ومريوط أشد حالات التلوث حيث تتلقى بالإضافة إلى الصرف الزراعى الصناعى وحصة من الصرف الصحى لمدينتى القاهرة والإسكندرية وغيرها من المدن والقرى الواقعة على المصارف التى تصيب فى هاتين البحيرتين ، فعلى سبيل المثال فإن مصرف بحر البقر والذى يمد بحيرة المنزلة بحوالى 1/4 كميات المياه الواردة إليها من المصارف المختلفة – يستقبل مياه صرف صحى غير معالجة من مدينة القاهرة كذلك الصرف الصحى لكافة القرى والمدن الواقعة على المصرف هذا إلى جانب الصرف الصناعى لكافة المصانع القريبة من هذا المصرف . ويمثل الصرف الصحى المصدر الغالب فى مياه هذا المصرف ،حيث تتميز مياه هذا المصرف بإرتفاع تركيزات المواد العضوية وإنعدام الأكسجين الذائب بالإضافة إلى إرتفاع نسبة المواد العالقة فى المياه ، وتعتبر بيئة هذا المصرف ملائمة لإزدهار البكتريا الممرضة والطفيليات وقد أثبتت نتائج الدراسات التى تمت على هذا المصرف أنه المصدر الأساسى للأمراض الفطرية – البكتيرية – الفيروسية والطفيليات التى تصيب الأسماك ، والتى ينتقل بعضها إلى مستهلكى هذه الأسماك .
وقد وجد أن بعضاً من أسماك المنطقة التى يصب فيها بحر البقر فى بحيرة المنزلة بها نسبة من السلمونيلا بالقدر الذى يسبب التسمم الغذائى لمستهلكى هذه الأسماك ،هذا وقد أجريت تجارب التغذية لحيوانات تجارب بأسماك هذه المناطق بعد عمليات الطهى التى شملت السلق – القلى – الشوى ، وأظهرت النتائج إصابة نسبة كبيرة من حيوانات التجارب بنوع من الطفيليات يسمى دودة السمك وذلك فى حالة السمك المشوى فى حين كانت أقل نسبة إصابة فى الأسماك المسلوقة ،هذا إلى جانب إنخفاض معدلات نمو الأسماك فى المناطق المتأثرة مباشرة بمياه صرف بحر البقر،ومما يزيد من خطورة هذا المصرف على تلوث الأسماك هو أنه يعتبر المورد الوحيد لإمداد مزارع الأسماك ، فى المنطقة والتى يتركز فيها أكبر عدد من المزارع السمكية على مستوى الجمهورية (حوالى 846 مزرعة)تمثل حوالى 43% من إجمالى عدد المزارع السمكية .
وقد أظهرت الدراسات الخاصة بتحليل عينات التربة خصوصاً فى مصب بحر البقر أن تركيزات المعادن الثقيلة عالية بدرجة خطيرة ومؤثرة ،حيث يتركز تأثيرها العام على الكائنات الحية بالبحيرة خاصة فى أنسجة الأسماك وبالتالى ينتقل تأثيرها إلى مستهلكى هذه الأسماك ،حيث تتركز هذه المعادن بمرور الوقت فى أعضاء جسم الإنسان وخصوصاً الكلى والكبد ، وتسبب الفشل الكلوى والكبدى .
ويمثل التلوث بالزئبق أخطر أنواع تلوث المعادن الثقيلة حيث يعتبر أكثرها إنتشاراً وأشدها سمية ،وقد كان من المعتقد أنه إذا كانت كمية الزئبق الموجودة فى مياه الصرف الصناعى والصرف الصحى ضئيلة هذا لن يمثل خطورة كبيرة على حياة الكائنات الحية ،وقد إتضح فيما بعد أن هذا الإفتراض غير صحيح وأن أى قدر من فلز الزئبق يعد كافياً لتلوث المياه ويمثل خطراً كبيراً على مختلف الكائنات الحية بما فيها الإنسان .
ويرجع السبب فى ذلك إلى أن الأسماك لها القدرة على إلتقاط هذه النسبة الضئيلة من الزئبق من المياه التى تعيش فيها وتقوم بتركيز الفلز فى أجسامها ،وبعد ذلك تنتقل إلى مستهلكى هذه الأسماك .
وقد حددت هيئة الصحة العالمية الحد الأقصى لكمية الزئبق التى تدخل إلى جسم الإنسان بحوالى 0.3 مليجرام فى الإسبوع ،ويمكننا أن نتصور خطورة تلوث الأسماك بهذا الملوث إذا علمنا أن الفرد قد يصل إلى هذا الحد إذا تناول حوالى 11كيلو جراماً من الأسماك من بحيرة بها تركيزات عالية من الزئبق خلال إسبوع واحد .
د / أحمد برانيه
المصدر: جريدة الصياد – العدد الثامن عشر – يناير – فبراير 2003
