*الإمام أبي حامد الغزالي (رحمه الله)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه".
وروى الطبراني في الكبير عن أمامة: يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: (ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فأكون سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، وعقله الذي يعقل به، فإذا دعاني أجبته، وإذا سألني أعطيته، وإن استنصرني نصرته، وأحب ما تعبدني به النصح لي).
لا شك أن كل مسلم في هذه الحياة يتمنى محبة الله جل وعلا له ويطمع إلى أن يكون أحد المقربين من الله والنصوص في القرآن والسنة الدالة على محبة الله لعباده المؤمنين كثيرة جدا منها قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين . "
ومن الضروري لكل من طلب محبة الله جل وعلا أن يعرف معنى هذه المحبة وما يترتب عليها وبعض العلامات الدالة عليها وهذا ما يعرضه لنا الإمام أبو حامد الغزالي (رحمه الله في كتابه إحياء علوم الدين) فيقول:
إن شواهد القرآن متظاهرة على أن الله تعالى يحب عبده، فلابد من معرفة معنى ذلك، فقد قال تعالى: "يحبهم ويحبونه" وقال: "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً" وقال: "إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين"
وكذلك رد سبحانه على من ادعى أنه حبيب الله فقال: "قل فلم يعذبكم بذنوبكم" وهذه المحبة لا تفهم إلا بمثال وهو أن الملك قد يقرب عبده من نفسه ويأذن له في كل وقت حضور بساطة لميل الملك إليه، إما لينصره بقوته أو ليستريح بمشاهدته أو ليستشيره في رأيه أو ليهيئ أسباب طعامه وشرابه، فيقال: إن الملك يحبه، ويكون معناه ميله إليه لما فيه من المعنى الموافق الملائم له. وقد يقرب عبداً ولا يمنعه من الدخول عليه لا للانتفاع به ولا للاستنجاد به ولكن لكون العبد في نفسه موصوفاً من الأخلاق المرضية والخصال الحميدة بما يليق به أن يكون قريباً من حضرة الملك وافر الحظ من قربه، مع أن الملك لا غرض له فيه أصلاً، فإذا رفع الملك الحجاب بينه وبينه يقال: قد أحبه، وإذا اكتسب من الخصال الحميدة ما اقتضى رفع الحجاب يقال: توصل وحبب نفسه إلى الملك. فحب الله للعبد يكون بالمعنى الثاني لا بالمعنى الأول.
فإذن محبة الله للعبد هي تقريبه من نفسه سبحانه بدفع الشواغل والمعاصي عنه وتطهير باطنه عن كدورات الدنيا ورفع الحجاب عن قلبه حتى يشاهده كأنه يراه بقلبه.
وقال العلماء: إن محبة الله تعالى لعبده هي إرادته الخير له وهدايته وإنعامه عليه ورحمته.
وقد روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل، فقال: إني أحب فلاناً فأحبه، قال : فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض عبداً دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلاناً فأبغضه قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، قال: فيبغضونه ثم يوضع له البغضاء في الأرض"
وجاء في صحيح مسلم أن سهيل بن أبي صالح قال: كنا بعرفة فمر عمر بن عبد العزيز وهو على الموسم فقام الناس ينظرون إليه فقلت لأبي: يا أبت إني أرى الله يحب عمر بن عبد العزيز قال: وما ذاك . قلت: لما له من الحب في قلوب الناس، فقال: بأبيك أنت سمعت أبا هريرة يتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا …. ثم ذكر الحديث السابق.
وأخص علامات حب الله لعبده أن يتولى الله تعالى أمره: ظاهره وباطنه، سره وجهره، فيكون هو المشير عليه، والمدبر لأمره والمزين لأخلاقه، والمستعمل لجوارحه، والمسدد لظاهره وباطنه، والمؤنس له بلذة المناجاة في خلواته، والكاشف له عن الحجب بينه وبين معرفته.
وقد روى أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أم سلمة- رضي الله عنها- "إذا أحب الله عبداً جعل له واعظاً من نفسه، وزاجراً من قلبه، يأمره وينهاه".
ومن علامات حب الله تعالى لعبده أن يضع له القبول والحب من أهل السماء وأهل الأرض- كما مر في الحديث الذي رواه مسلم- فيكرمونه وترتفع منزلته عندهم، كما صنع الله تعالى مع موسى عليه السلام حيث جعل عدوه يحبه، فقال تعالى ممتناً على موسى: "وألقيت عليك محبة مني"
فهذا وأمثاله هو علامة حب الله تعالى للعبد.