دمعة و ابتسامة
الذكريات قد تمزج بين ابتسامة ودمعة أو أن تضيف دمعة إلى دموع الفراق....
في ركن من أركان حجرتها المظلمة كانت جالسة القرفصاء فوق فراشها، و هي شاخصة البصر، شعرها يتدلى من فوق كتفيها في حنو و كأنه يضمها إليه لينسها وحشة ذلك المساء.
كانت تنظر من خلال النافذة المطلة على الشارع، التي يتسلل منها بعض الضوء ليبدد بعضا من ظلام الغرفة. لم تستطع أن تفهم ذلك الشعور الغريب الذي باغتها تلك الليلة، كانت تحس و كان حبل الزمن يلتف حول عنقها ليجرها نحو متاهات الذكريات، أغمضت عينيها لبرهة و هي تردد "كم اشتقت إليكم. "
هاهي ذي بين والديها تنعم بالاهتمام و الراحة ، لم يخلو ثغرها حينها من ابتسامة الرضا التي طالما ارتسمت على شفتيها و لا من ذلك الفرح الذي يشع من عينيها كلما تناهى إلى مسمعها كلمات أبيها المشجعة و نصائح أمها القيمة و لم يبارحها شبحه الذي يوقظ فيها عواطف الصبا الجميل كانت تراه في كل الأرجاء كان وجوده يحميها و روحه تعانق روحها التي طال انتظارها ، هل كان لابد له أن يسافر؟ أن يبتعد ؟ ...
تتأرجح داخل تلك الدوامة، لتجد نفسها تعتصر ألما لم يشأ مبارحة قلبها الصغير ، فتحت عينيها، رفعتهما إلى سماء الغرفة، و هي تحاول أن تفلت من ذلك التيار الذي يجذبها نحوه بقوة ، تلملم شتات نفسها و هي تضم ركبتيها إلى صدرها و تغرس رأسها بينهما و هي تتمتم بعصبية، ترفع رأسها ، تقفز لتفتح درج طاولة صغيرة كانت على مقربة من سريرها، جذبت منه دفترا أنيقا، فتحته، نظرت داخله مطولا، ضمته إليها و هي تتنهد بعمق . وضعت رأسها الصغير على وسادتها و هي لازالت محتضنة تلك الصفحات التي تحمل أحلامها المسروقة، لم تبالي بصرير ألواح النافذة المفتوحة قبالتها، أكملت رحلتها مع أمسها الجميل مضمدة به جراح الحاضر.
تململت في الفراش لتأخذ وضعا مريحا و قد طفرت من عينيها دمعة و على ثغرها ابتسامة بريئة، انسل الدفتر شيئا فشيء من بين ذراعيها و استسلمت للنوم.